بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يهدون من ضلّ إلى الهدى، ويُنقضونهم من العمى ويحيون بكتاب الله الموتى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أعظم أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين وانتحال الضالين الذين عقدوا ألوية البدعة وماروا في الكتاب.
أحمد الله جل وعلا وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح والقلب الخاشع.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا من العلم والعمل والهدى والسنة يا أرحم الراحمين.
ثم أما بعد
وعن ابن سيرين قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . رواه مسلم
فهذا الاثر مهم في مسائل تلقي العلم فلا يمكن ان نأخذ العلم عن اي رجل مجهول - وليس عنده من تزكيات من افاضل العلماء شىء - لان هذا العلم دين فهو أصل لاخذ الدين فلا يمكن اخذه ممن لا يعرف منهجه وعلمه وفي هذا
قال صلى الله عليه وسلم
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . رواه البيهقي وصححه الالباني
قال الإمام مالك رحمه الله : لايؤخد العلم عن أربعة :
ـ سفيه معلن السفه.
ـ و صاحب هوى يدعوا إليه.
ـ و رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس و إن كان لايكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
ـ و رجل له فضل و صلاح لا يعرف ما يحدث به
و قال البربهاري رحمه الله : والمحنة في الإسلام بدعة ، و أما اليوم فيمتحن بالسنة لقوله : { إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذوا دينكم }
و { و لا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون الشهادة } فننظر فإن كان صاحب سنة ، له معرفة ، صدوق كتبت عنه و إلا تركته .
كتاب شرح السنة للبربهاري طبعة دار الأثار الصفحة 45 ، 46
وقال ابن العربي – السلفي - فما زال السلف يزكون بعضهم بعضا و يتوارثون التزكيات خلفا عن سلف ، و كان علماؤنا لا يأخذون العلم إلا ممن زكي و أخذ الإجازة من أشياخه
وقال النووي رحمه الله :
و لايتعلم إلا ممن تكملت أهليته و ظهرت ديانته و تحققت معرفته و اشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما من السلف { هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )
عن سفيان بن عيينة قال مسعر : سمعت سعد بن ابراهيم يقول لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات
عن أبي الزناد عن أبيه قال : أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث قال ليس من أهله
قال الدارمي رحمه الله : باب في الحديث عن الثقات :
عن الأوزاعي قال سليمان بن موسى : قلت لطاوس إن فلانا حدثني بكذا و كذا قال إن كان صاحبك مليا فخذ عنه.
عن أبي عون عن محمد قال : إن هذا العلم دين فالينظر الرجل عمن يأخذ دينه.
عن عبد الله بن عمرا و قال : يوشك أن يظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين
قال ابن أبي حاتم في كتابه الجرح و التعديل : باب في الأخبار أنها من الدين و التحرز و التوقي فيها.
ثم ساق أثر ابن سيرين ، ثم أثر أنس بن سيرين أنه دخلوا عليه في مرضه فقال اتقوا الله يا معشر الشباب انظروا ممن تأخذون هذه الأحاديث فإنها من دينكم. و أثر بهز بن أسد أنه قال لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول.
في الأثر : دينك دينك إنما هو لحمك و دمك فانظر عمن تأخذ خذ عن الذين استقاموا و لاتأخذ عن الذين مالوا.
قال ابن سيرين : كان في الزمن الأول الناس لايسألون عن الإسناد حتى و قعت الفتنة فلما و قعت الفتنة سألوا عن الإسناد ليحدث حديث أهل السنة و يترك حديث أهل البدعة.
و قال الخطيب أيضا : كتب مالك بن أنس إلى محمد بن مطرف : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فذكره بطولة... خذه يعني العلم من أهله الذين و رثوه ممن كان قبلهم يقينا بذلك و لاتأخذ كلما تسمع قائلا بقوله فإنه ليس ينبغي أن يؤخذ من كل محدث و لا من كل من قال و قد كان بعض من يرضى من أهل العلم يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخدون دينكم
.
أورد السيوطي رحمه الله: " صفة من يؤخذ عنه العلم فقال : من اشتهرت عدالته بين أهل العلم و شاع الثناء عليه . ثم أورد أثر سعيد بن ابراهيم : لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات و أثر ابن سيرين : ‘ن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوزا دينكم . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشلهد و المخبر إنما يحتاجان إلى التزكية .
قال الخطيب البغدادي رحمه الله : و لا يروى إلا عن الثقات ثم أورد بسنده عن بهز بن أسد أنه كان يقول إذا ذكر له الإسناد فيه شيء قال هذا فيه عهدة و يقول لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول.
و بسنده أيضا عن سعد بن ابراهيم قال لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن الثقات . و بسنده عن عمرو بن ثمر عن جابر قال قلت لإبي جعفر أقيد الحديث إذا سمعته قال إذا سمعت حديثا من ثقة خير مما في الأرض من ذهب و فضة .
و بسنده عن بن عون عن محمد بن سيرين قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه ذهب العلم و بقي منه غبرات في أوعية سوء .
وبسنده أيضا عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي الأسود عن المنذر بن الجهني و كان قد دخل في هذه الأهواء ثم رجع فسمعته يقول اتقوا الله و انظروا عمن تأخذون هذا العلم فإنا كنا ننوي أن نروي لكم ما يضلكم.
و بسنده عن أحمد بن يوسف بن أسباط سمعت أبي يقول ماأبالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى : و من له في الأمة لسان صدق بحيث يثنى عليه و يحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء أئمة الهدى و مصابيح الدجى.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الإعتصام : والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ويعلم هو من نفسه ما شهد له به وإلا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلا باتباع الهوى
إذ كان ينبغى له أن يستفى في نفسه غيره ولم يفعل وكل من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره ولم يفعل.
قال العلامة الألباني رحمه الله: معلقا على هذا الكلام في الصحيحة :
هذه نصيحة الإمام الشاطبي إلى العالم الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم بنصحه بأن لايتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء ، فماذا كان ينصح يا ترى لو رأى بعض هؤلاء المتعلقين بهذا العلم في زماننا هذا؟ لاشك أنه سيقول له : ليس هذا عشك فادرجي " فهل من معتبر ؟!! و إني و الله لأخشى على هذا البعض أن يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم " ينزع عقول أهل هذا الزمان ، و يخلف لها هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء و ليسوا على شيء " و الله المستعان .اهـ
قال العلامة الألباني رحمه الله أيضا : عندنا مثلا الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة عندنا الشيخ عبد العزيز ابن باز حفظه الله و عندنا هذا الرجل الذي ابتلي به الشعب الأردني في هذا الزمان بجهله و بقلة أدبه مع علماء السلف فضلا من الخلف يقول مثلا عن الشيخ عبد العزيز ابن باز بأنه لا علم عنده بالتوحيد !! فأنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه و الشيخ ابن باز مثلا ملأ علمه العالم الإسلامي إذن هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوى فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل ، هذا الرجل ابن اليوم في العلم ما أحد عرفه و لا أحد شهد له لا من المهتدين من العلماء و لامن العلماء الضالين ما أحد شهد له بأنه رجل عالم فلماذا يلتف حول هؤلاء الشباب أحد شيئين ؟ أما أنهم لايعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم.
و قال الألباني رحمه الله كلاما نفيسا في التزكية في شريط المتجرؤون على الفتيا، و الشريط الأول من أشرطة دعوتنا من أحب أن يراجعه فليراجعه .
سئل العلمة الشيخ الفوزان حفظه الله السؤال التالي : لقد كثر المنتسبون إلى الدَّعوة هذه الأيام، مما يتطلَّب معرفة أهل العلم المعتبرين، الذين يقومون بتوجيه الأمَّة وشبابها إلى منهج الحقِّ والصَّواب؛ فمن هم العلماء الذين تنصح الشّباب بالاستفادة منهم ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجَّلة وأخذ العلم عنهم والرُّجوع إليهم في المهمَّات والنَّوازل وأوقات الفتن؟
الدَّعوة إلى الله أمر لابدّ منه، والدِّين إنَّما قام على الدّعوة والجهاد بعد العلم النَّافع؛ {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [العصر: 3.]؛ فالإيمان يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وعبادته، والعمل الصَّالح يكون فرعًا من العلم النَّافع؛ لأنَّ العمل لا بدَّ أن يؤسَّس على علم.
والدَّعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتَّناصح بين المسلمين؛ هذا أمر مطلوب، ولكن ما كلُّ أحد يُحسنُ أن يقوم بهذه الوظائف، هذه الأمور لا يقوم بها إلا أهل العلم وأهل الرَّأي النَّاضج؛ لأنها أمور ثقيلة مهمَّةٌ، لا يقوم بها إلا من هو مؤهَّلٌ للقيام بها، ومن المصيبة اليوم أنَّ باب الدّعوة صار بابًا واسعًا، كلٌّ يدخل منه، ويتسمَّى بالدَّعوة، وقد يكون جاهلاً لا يُحسِنُ الدَّعوة، فيفسد أكثر ممَّا يصلح، وقد يكون متحمِّسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطَّيش، فيتولَّدُ عن فعله من الشُّرور أكثر ممّا عالج وما قصد إصلاحه، بل ربّما يكون ممّن ينتسبون للدّعوة، ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها ويريدون تحقيقها على حساب الدّعوة وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدّين، وربّما يقصد خلاف ذلك؛ كالانحراف بالشّباب وتنفيرهم عن مجتمعهم وعن ولاة أمورهم وعن علمائهم، فيأتيهم بطريق النّصيحة وبطريق الدّعوة في الظّاهر؛ كحال المنافقين في هذه الأمة، الذين يريدون للناس الشَّرَّ في صورة الخير.
أضرب لذلك مثلاً في أصحاب مسجد الضِّرار؛ بنوا مسجدًا، في الصُّورة والظَّاهر أنه عمل صالح، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلِّيَ فيه من أجل أن يرغِّبَ الناس به ويقرَّهُ، ولكنَّ الله علم من نيَّات أصحابه أنهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين، الإضرار بمسجد قُباء، أول مسجد أُسِّسَ على التَّقوى، ويُريدون أن يفرِّقوا جماعة المسلمين، فبيَّن الله لرسوله مكيدة هؤلاء، وأنزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 107-108.].
يتبيَّن لنا من هذه القصة العظيمة أن ما كلُّ من تظاهر بالخير والعمل الصالح يكون صادقًا فيما يفعل، فربما يقصد من وراء ذلك أمورًا بعكس ما يُظهِرُ.
فالذين ينتسبون إلى الدَّعوة اليوم فيهم مضلِّلون يريدون الانحراف بالشَّباب وصرف الناس عن الدِّين الحقِّ وتفريق جماعة المسلمين والإيقاع في الفتنة، والله سبحانه وتعالى حذَّرنا من هؤلاء: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47.]؛ فليس العبرة بالانتساب أو فيما يظهر، بل العبرة بالحقائق وبعواقب الأمور.
والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدَّعوة يجب أن يُنظر فيهم: أين دَرَسوا؟ ومِن أين أخذوا العلم؟ وأين نشؤوا؟ وما هي عقيدتهم؟ وتُنظرُ أعمالُهم وآثارهُم في الناس، وماذا أنتجوا من الخير؟ وماذا ترتَّب على أعمالهم من الإصلاح؟ يجب أن تُدرس أحوالهم قبل أن يُغتَرَّ بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لا بدَّ منه، خصوصًا في هذا الزَّمان، الذي كثر فيه دعاة الفتنة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة بأنهم قومٌ من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ عن الفتن؛ قال: (دُعاةٌ على أبواب جهنَّمَ، من أطاعَهُم؛ قذفوه فيها) [رواه البخاري في "صحيحه" (8/92-93) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.]، سمَّاهم دُعاةً!
فعلينا أن ننتبه لهذا، ولا نحشُدَ في الدَّعوة كلَّ من هبَّ ودبَّ، وكل من قال: أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعو إلى الله! لا بدَّ من النَّظر في واقع الأمر، ولا بدَّ من النَّظر في واقع الأفراد والجماعات؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى قيَّد الدَّعوة إلى الله بالدَّعوة إلى سبيل الله؛ قال تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ...} [يوسف: 108.]؛ دلَّ على أنَّ هناك أناسًا يدعون لغير الله، والله تعالى أخبر أنَّ الكفَّار يدعون إلى النار، فقال: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 221.]؛ فالدُّعاة يجب أن يُنظَرَ في أمرهم.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب رحمه الله عن هذه الآية {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}: "فيه الإخلاصُ؛ فإنَّ كثيرًا من الناس إنَّما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله عز وجل"من فتاوى الشيخ.
قال الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في درس بعنوان من هم العلماء : وهذه النقطة من الأهمية بمكان، إذ بسبب عدم إدراكها من الكثيرين تخلل صفوف العلماء من ليس منهم، فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الآن غُصَصَها، ونشاهِد مآسيها بين آونة و أخرى.
إنّ من يستحق أن يطلق عليه لفظ العالم في هذا الزمن -وأقولها بكل صراحة- قليل جداًًََََّ، ولا نبالغ إن قلنا نادر، وذلك أنّ للعالم صفات قد لا ينطبق كثيرٌ منها على أكثر من ينتسب إلى العلم اليوم.
فليس العالم من كان فصيحا بليغا، بليغا في خطبه، بليغا في محاضراته، ونحو ذلك، وليس العالم من ألف كتابا، أو نشر مؤلفا، أو حقق مخطوطة أو أخرجها؛ لأن وزْن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب وللأسف في كثير من أذهان العامة، وبذلك انخدع العامة بالكثير من الفصحاء والكتاب غير العلماء، فأصبحوا محل إعجابهم، فتري العامّي إذا أسمع المتعالم من هؤلاء يُجيش بتعالمه الكذّاب يضرب بيمينه على شماله تعجبا من علمه وطَرَبَه، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حُزنا وأسفا لانفتاح قبح الفتنة. فالعالم حقا من تَوَلَّعَ بالعلم الشرعي، وألَمَّ بمجمل أحكام الكتاب والسنة، عارفا بالناسخ والمنسوخ، بالمطلق والمقيد، بالمجمل والمفسر، واطلع أيضا على أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، فقد عقد ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ”جامع بيان العلم وفضله“ بابا فيمن يستحق أن يسمى فقيها أو عالما، فليرجع إليه في الجزء (2) ص (43).
ولا ريب أن تحصيلهم لهذه الأحكام الشرعية قد استغرق وقتا طويلا، واستفرغ جهدا كبيرا، وأضافوا إلى ذلك أيضا عدم الانقطاع عن التعلم، وقد ورد في بعض الآثار أن موسى سأل ربه أي عبادك أعلم؟ قال: الذي لا يشبع من العلم. فمن كان هذا حاله فهو العالم الذي يستحق هذا اللفظ الجليل، إذْ هو المبلغ لشرع الله تعالى, المُوَقِّع عنه سبحانه وتعالى, القائم لله عز وجل بالحجة على خلقه ولو قَلَّ كلامه ونَدُر، أو عُدِم تأليفه.
فهنا فائدة مهمة، تبين أن جذور الاغترار بمن كثر كلامه قديمة جدا، وليس حادثة جديدة، وليست وليدة الساعة، هذه الفائدة هي ما سطّره الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه القيم النافع فضل علم السلف على علم الخلف، راداً به على من اغتر بكثرة الكلام، واعتبره معيارا للعالم، يقول رحمه الله تعالى كما في كتابه الآنف الذكر: وقد ابتلينا بجهلة من الناس, يعتقدون في بعض من توسَّع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كلِّ من تقدم من الصحابة ومن بعدهم؛ لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين، -ثم ذكر الثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وقال- فإنّ هؤلاء كلهم أقل كلاما ممن جاء بعدهم، وهذا -أي هذا التفصيل- تَنَقُّص عظيم بالسلف الصالح، وإساءة ظن بهم، ونسبتهم إلى الجهل وقصور العلم, ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم ذكر أثر ابن مسعود ( وفيه أنه قال ”إنّكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم“. انتهى كلامه رحمه الله.
وهو يشير إلى من توسع في القول في مسائل العلم، وهذا يجب أن يلحظ، فكيف لو رأى متكلمي زماننا الذين اتخذهم الناس رؤساء علماء، وهم إنما يتكلمون عمَّا يسمونه بِفقه الواقع، أما فقه الشرع، وهو ما يسمونه بفقه الحيض والنفاس، فهذا في نظرهم قد تعداه الزمن، ولم يصبح بحاجة ماسة إليه الناس، ولذا فإنّ فقه الواقع يجعلونه فرض عين على كل عالم وطالب علم، أما فقه الحيض والنفاس فهذا فرض كفاية. أقول كيف لو رأى هؤلاء الذين لعبوا بعقول الناس، وصرفوهم عن دين الله عز وجل وشرعه إلى أهواء سوَّلَها لهم الشيطان وصدَّهم بها عن سبيل الله تعالى، لا ريب أنّ توجعه رحمه الله تعالى أقوى وأن شكايته أحق.
ومما ينبغي أن يميَّز به من يُطلق عليه لفظ عالم. كبر السن، وهذا وإن لم يكن شرطا في بلوغ مرتبة العلماء إلا أن في هذا الزمن ينبغي أن يُجعل هذا كشرط لما يترتب على أخذ العلم عن الصغار من المفاسد الكثيرة، وأيضا لعدم قُدرة كثير من الناس اليوم على تمييز العالم من غيره، ولذا قال عبد الله بن مسعود ( فيما صح عنه يقول ”لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعن علمائهم، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا“. وقد أسند الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ”نصيحة أهل الحديث“ بسنده إلى ابن قتيبة أنه سئل عن معنى هذا الأثر، فأجاب بما نصه، يقول ابن قتيبة: يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث، -ثم يعلل هذا التـفسير فيقول- لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدَّتُه وعجلته وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزل الشيطان استزلال الحَدَث، ومع السّن الوقار والجلال والهيبة، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أُمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه و أفتى هلك وأهلك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كلام جدير بالتأمل, إن كان بعض العلماء يرى أن بعض الأصاغر هنا هم أهل البدع، فإن الصغار هنا لفظ عام، يتناول الصغير لفظا والصغير معنى، فعلى هذا ينبغي التوجه إلى أهل العلم الكبار وأخذ العلم عنهم ماداموا موجودين، أمّا لو كان الإنسان في بلد ليس فيها كبير وهناك صغير عنده من العلم ما يؤهله للتدريس، ويؤهله لتلقي العلم عنه، فلا بأس حينئذ للحاجة. لكن العيب كلَّ العيب أن يكون العلماء الكبار موجودين متوافرين فينصرف الإنسان عنهم إلى من دونهم.
هذا وهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع، أقول النافع؛ لأن العلم قسمان: علم نافع، وعلم ضار. فهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع؛ الذين ورد الشرع بفضائلهم وبتزكيتهم، وهذه العلامات قد ذكر بعضها ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه الآنف الذكر، سأنقل بعض كلماته رحمه الله بنوع تصرف، يقول رحمه الله في علامات ومميزات أهل العلم النافع، وهذه العلامات إنما نذكرها ليستطيع الإنسان أن يميز بين العالم وبين غيره من خلال هذه الصفات، يقول رحمه الله عن هؤلاء العلماء:
• إنّهم لا يرون لأنفسهم حالا ولا مقاما، ويكرهون بقلوبهم التزكية و المدح، ولا يتكبرون على أحد، وأهل العلم النافع كلما ازدادوا في العلم ازدادوا تواضعا لله وخشية وانكسارا وذُلاًّ.
• ومن علاماتهم أيضا -هذا كلامه - الهرب من الدنيا، وأولى ما يهربون عنه منها الرِّياسة والشُّهرة والمدح، فالتباعد عن ذلك والاجتهاد في مجانبته من علامات أهل العلم النافع، فإنْ وقع شيء من ذلك -يعني الرياسة أو الشهرة أو المدح- من غير قصد واختيار كانوا على خوف شديد من عاقبته وخشوا أن يكون مكرا واستدراجا، كما كان الإمام أحمد رحمه الله يخاف ذلك على نفسه عند اشتهار اسمه وبعد سيطه.
• ومن علاماتهم أيضا أنهم لا يدعون العلم، فلا يفخرون على أحد، ولا ينسبون غيرهم إلى الجهل؛ إلا من خالف(2) السنة وأهلها فإنهم يتكلمون فيه غضبا لله، لا غضبا للنفس، ولا قصدًا لرفعتها على أحد.
• ومن علاماتهم أيضا أنهم سيؤون الظن بأنفسهم، ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء، ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها، وكان ابن المبارك إذا ذَكر أخلاق من سلف ينشد:
لا تعرضن بذكرانا لذِكـرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمُقعـد
ولعل في هذه العلامات ما يستطيع به العامِّي وأمثاله أن يميز بين من يستحق أن يُطلق عليه لفظ العالم ممن لا يستحق هذا اللفظ، والفائدة المَرْجُوَّة من هذا التمييز هي الأخذ عن أهل العلم النافع دون من عَدَاهم من متكلم فصيح و كتاب كبير ممن ليس من أهل العلم.
وبعد أن بين ابن رجب رحمه الله تعالى علامات ومميزات أهل العلم النافع، فإننا ننقل من هذه النقطة التي وضحت إن شاء الله أو كادت.
و قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرح كشف الشبهات : فلابد من معرفة من هم العلماء حقاً ، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بهم وليس منهم ، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق ، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون.
هذا معنى كلام المؤلف -رحمه الله- وكأنه يشير إلى أئمة أهل البدع المضلين الذين يلمزون أهل السنة بما هم بريئون منه ليصدوا الناس عن الأخذ منهم ، وهذا إرث الذين طغوا من قبلهم وكذبوا الرسل كما قال الله تعالى: }كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الله إلا قالوا ساحر أو مجنون{ {سورة الذاريات، الآية : 52} . قال الله تعالى:}أتواصوا به بل هم قوم طاغون{ . {سورة الذاريات، الآية: 53}.
قال إمام الجرح و التعديل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه دفع بغي عدنان على علماء السنة : وقد قال علماء السلف كابن المبارك وأمثاله :
" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .
فلا يؤخذ الدين من الملبسين الأدعياء ، ولا من الواضحين في الضلال ، ولا من غيرهم ، وإنما يأخذون العلم من أهل العلم الثقات العدول الموالين في الله والمعادين فيه والمنابذين للباطل والداعين إلى الحق وإلى الهدى المستقيم ، عليهم أن يختاروا ويتثبتوا ولا يتسرعوا فيسمعوا أو يقرؤوا لكل من هب ودب ؛ لأن كثيراً منهم في مرحلة البداية لا يميزون بين حقٍ وباطل فيقرؤون لأمثال من ذكرت فيخرجونه عن منهج الله إلى مناهجهم الفاسدة ، فليحذروا تلك المقولة المضللة :
" نقرأ في الكتب ونسمع من الأشخاص وما كان من حقٍ أخذناه ، وما كان من باطلٍ رددناه " .
وقال الشيخ أمان الجامي رحمه الله في شريط إسمه الأمالي الجامية على الأصول الستة : إذا علمنا العلم علمنا العلماء من يحملون هذا العلم النافع والعلماء الربانيون الذين يربون صغار الطلبة بصغار العلم ثم يتدرجون معهم حتى يتفقهوا في دين الله لا يبدؤون بالمطولات يبدؤون بالمختصرات حتى يصلوا إلى المطولات يربوهم بالتدريج هؤلاء هم العلماء الربانيون المربون .
احذر أن تفهم من العبد الرباني أو العالم الرباني فهماً صوفياً ضالاً ؛ العبد الرباني عند المتصوفة الذي يصل إلى درجة يقول لشيءٍ كن فيكون . مفهوم ٌ صوفيٌ ضال مضلل ملحد يعني يعتقد أن معنى العبد الرباني العالم الرباني الذي يصل إلى هذه الدرجة إلى درجة الربوبية يقول للشيء كن فيكون هذه دعوة إلى الضلال إلى الشرك في الربوبية والألوهية معاً ، أدرك هذا الداعي أو لم يدركه فلنحذر كلما نذكر العالم الرباني أو العبد الرباني نحن لا نتحدث بأسلوب المتصوفة ولكننا نتحدث بأسلوب الفقهاء وأهل العلم .
هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين تربى طلاب العلم على أيديهم غذوهم بصغار العلم إلى أن تبحروا في العلوم هؤلاء هم العلماء والفقه عرفنا معنى الفقه هو الفهم الصحيح الثاقب لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .
ومن لديهم هذا الفقه هم الفقهاء العلماء والفقهاء قد يكون من الألفاظ المترادفة إلا أن العلماء أشمل والفقهاء أخص والله أعلم .
( وبيان من تشبه بهم ) كثُر الذين تشبهوا بالعلماء والفقهاء ؛ بل هذه الآونة غلب صغار طلبة العلم على العلماء فصار لفظ العلماء والدعاة علماً بالغلبة في أولئك الذين يشاغبون الشغب فأخذوا هذا اللقب من العلماء واستنكروا للعلماء وزهدوا الناس في العلماء .
العلماء الذين هم على ما وصفنا ربما تنكر لهم بعضهم فأنكروا علمهم وحاولوا أن يحولوا إلى أنفسهم صفة العلم وصفة الفقه وحمل الدعوة . والله المستعان .
)بيان من تشبه بهم وليس منهم ) التشبه والدعوى لا تفيد إن كان التشبه بالقيام بما يقومون به إي اتباعهم والعمل كعملهم هذا تشبه نافع.
قال الشيخ أحمد بن عمر بازمول في درس بعنوان " شرح أثر إن هذا العلم دين":
من الذي يؤخذ منه العلم ، من اتصف بالصفات التالية و من توفرت فيه الشروط التالية :
{1} أنه متبع لما جاء في الكتاب و السنة فلا يقدم الأراء و لايقدم العقل و لا يقدم الواقع أو السياسة أو غيرها من الأمور الأخرى على الكتاب و السنة.
{2}أنه متقيد و منضبط في فهم الكتاب و السنة على فهم سلف الأمة.
{3} أنه ملازم للطاعة مجتنب للمعاصي و الذنوب.
{4} أنه بعيد عن البدع و الضلالات و الجهالات محذرا منها.
{5} أنه يرد المتشابه إلى المحكم.
{6} أنه يخشى الله عز وجل .
{7} أنه من أهل الفهم و الإستنباط.
و خلاصة هذه الأقوال أن نقول في العالم الذي يأخذ عنه العلم هو من تغلم الكتاب و السنة على فهم سلف الأمة مجتنبا للبدع و أهلها و للمعاصي و الذنوب هذا الذي يؤخذ منه العلم.
و تقييده بأنه على فهم سلف الأمة و على طريقتهم يدخل فيه الصفات المذكورة سابقا و الأقوال المذكورة سابقا.
فهل من معتبر
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : عليك بطرق الهدى و لا يضرك قلة السلكين و إياك و طرق الضلال و لاتغتر بكثرة الهالكين .
أسأل الله أن يجعله تبصرة للمؤمنين والمخدوعين وأن يجعله ذخرا لي عند لقائه
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.